تركيا وخياط الفتق من دون خيوط - ÍÓíä ÇáÞØÈí
تركيا وخياط الفتق من دون خيوط


بقلم: ÍÓíä ÇáÞØÈí - 29-07-2015


في ما يشبه عروض المقامر بعد الافلاس، لبيع اخر ما يرتديه من ملابس، ظهر السيد اردوغان في اجتماع دول الناتو، بلغة خالية من التهديد، على غير عادته، فابدى، بعد ان دعى هو شخصيا لهذا الاجتماع، استعداده غير المشروط لتلبية كل المطاليب الامريكية، والغربية عموما، في مؤشر واضح على عمق الهوة السورية التي رمى الرئيس التركي القوي نفسه فيها.

فوافق اردوغان على الحد من تحركات مقاتلي داعش في الاراضي التركية، وعلى التخلي عن مطالبه باحتلال جزء من الشمال السوري بحجة بناء منطقة عازلة، وعلى فتح قاعدة انجرليك امام الطيران الامريكي بعد عقدين من اغلاقها.. كل ذلك، وبشكل مفاجئ، وبدون شروط.. هذا عدا عن التنازلات السرية التي قدمها في اجتماعاته الثنائية مع رؤساء وممثلي دول الناتو، طبعا.

لماذا، وفجأة، يتغير الصوت التركي من زئير اسد، في المنطقة، الى مواء قط؟ ومن التهديد بالعصا الغليضة دائما، الى الاستغفار والندم، والطاعة الكاملة..؟

المتتبع لمجريات الوضع السوري يلحض بواكير هذا التغيير، على خجل، بعد تحرير مدينة كوباني، واريافها، بيد القوى الكردية في روجافا، وهي الحليف الاساسي لحزب العمال الكردستاني، وهي اول هزيمة تلحق بداعش منذ تاسيسها، بعد ان كانت تعتبر "المارد الاسطوري" الذي لن يقف جيش في طريق زحفه.. وكانت تعتبرها انقرة على انها فرس رهانها الذي لا يخسر..

حاولت تركيا في حينها التخفيف من الصدمة، وامتصاص الروح المعنوية المتزايدة للكرد، انذاك، عن طريق زرع 200 عنصر من الجيش الحر في معركة كوباني، على امل سرقة النصر، او على اقل تقدين ان تنسب لهم الانتصارات العسكرية..

تركيا اذ استطاعت استيعاب هزيمتها بمعية داعش، في كوباني، فانها لم تستطع ان تستجمع قواها بعد الانتصار الكبير الذي حققه العمال الكردستاني في تحرير منطقة "كري سبي" (تل الابيض) في محافظة الرقة..

ونصر تل الابيض حقق اربعة مكاسب كبرى للكرد:
اولها، ربط اغلب مناطق روجافا الكردستانية ببعض، حتى اصبحت كوباني ترتبط بكردستان العراق بطرق برية، ولم تعد هنالك حاجة للدوخول الى اراضي تركيا في التنقل، مما يسمح بمرور البيشمركة الى كوباني دون الحاجة للجوء لاراضيها.
ثانيا، قطع الطرق البرية بين داعش في الرقة والحدود والمعابر التركية مما يعني قطع التمويل التركي لداعش في اقرب واامن نقطة مشتركة.
ثالثا، ارتفاع الروح المعنوية للكرد في روجافا، وانتقاله مثل موجات البركة الى تركيا مما تجلي على شكل انتصار تاريخي للكرد في الانتخابات البرلمانية التركية وصعود الحزب الحليف للعمال الكردستاني الى البرلمان للمرة الاولى منذ وضع عائق الـ 10% بـ 81 نائب.
رابعا، وهو الاهم، اقتراب قوات العمال الكردستاني من مدينة الرقة نفسها، مما يعني ان الامريكان اذا كانت لهم نية بانهاء داعش، ستكون على يد هذا الحزب، مما يضطر الغرب، وامريكا خصوصا، في هذه الحالة، لرفع اسمه من قائمة الارهاب..

حينها، اكتشفت تركيا، او الرئيس اردوغن فجاة، مقدار الفشل والخيبة الذي جرته سياساته على الموقف التركي.. وان مقدار الفتق بلغ من الحد اكبر مما تستطيع تركيا تحمله.

لجأت انقرة في البداية الى اثارة نعرة قومية مضادة للكرد، بنشر شائعات اعلامية حول تهجير المقاتلين الكرد لبعض العوائل العربية من مناطق القتال، لكن الصدى الاعلامي لهذه الشائعات في الفضاء العربي كان مخيبا للامال..

ورغم العراقيل، استمرت النجاحات العسكرية غير المتوقعة التي حققتها القوات الكردية فيما يشبه الزحف على مدينة الرقة، عاصمة داعش الادارية والعسكرية، ومركز ثقل السياسة التركية في سوريا. خصوصا بعد تحرير كامل المدن والارياف التابعة لكري سبي، بما فيها منطقة عين عيسى التي تبعد ما يقارب الـ 40 كم عنها.

هنا بدأ الانهيار في الموقف التركي.. فتنظيم الدولة الاسلامية الذي انفقت عليه انقرة كل امكاناتها المادية، لم يبدأ بالتراجع والعد التنازلي نحو النهاية فحسب، بل وبدأ بسبب ضعفه يقدم انتصارات اكثر للكرد، اكثر بكثير مما كان الكرد في روجافا يحلمون به لولا وجود داعش نفسها.. اي ان ما انفقته تركيا كله صب في صالح القوى الكردية وتحول الى سلاح ضد تركيا نفسها.

لذلك فمن اجل خياط هذا الفتق الذي خلفته خطط اردوغان في جسد السياسة التركية، توجه شخصيا لطلب النجدة من الناتو، ولكن هذه المرة ليس كاردوغان الذي عودنا ان يضخم نبرته لتشبه زئير الاسد، بالمايكروفونات التركية، وانما بصوت خجول منخفض يشبه كثيرا مواء قط جائع.

اخر الاخبار تقول ان تنازلاته هذه كلها لم تاتي له الا بالمزيد من الخسارة.. فالضربات التي يوجهها لمراكز حزب العمال في جبل قنديل تشبه الى حد بعيد القصف الجوي بلعبة الاكس بوكس التي نشرتها القوات العراقية، من اجل رفع المعنويات بعد هزيمة الموصل... جدران خالية من البشر تركها المقاتلون تتحول الى ركام على شاشات التلفزيون..

فعلى العكس، ما يحدث الان على الارض هو تقدم قوات حزب العمال الكردستاني على الارض اكثر بعد الضربات الجوية التركية.

فقد اكملت السيطرة على كامل ريف كوباني بعد تحرير اخر معاقل داعش في بلدة صرين الواقعة شرق نهر الفرات، وحررت كامل مدينة الحسكة من اخر مقاتلي داعش، بالاضافة الى تقدمها جنوبا، حتى ان المعارك تدور الان في ريف مدينة الرقة، في منطقة تل السمعان التي لا تبعد كثيرا عن عاصمة الدواعش.

هجمة تركيا على قنديل ستتوقف بعد خسائر مادية لا يمكن حصرها للجيش التركي.. ويظل الفتق يتوسع، فهل يفلح اردوغان في لملمته... وهو يخيط الفتق بالابرة فقط...؟

حسين القطبي




Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google